الشاب الذى فـر من الاسد

وهى قصـة مثيرة وشيقة وهادفة بالطبع، حيث خرج شاب قوى البنية الي غابة شاسعة ليملأ رئتيه من الهواء العليل ، وليمتع نظره بمناظرها الخلابة من خضرة وحشرات وحيوانات ذوات الوان مختلفة وماتعة وحركات رشيقة ويشنف أذناه بخرير الماء المنصب من أعالى الجبال الشاهقة .. ولكنه فجأة سمع صوتا وكأنه زئيرٍ لأسد فالتفت الى الخلف فإذا به أسد ضخم الجثة يسرع نحوه قاصدا افتراسه ، ياللهول .. فما وجد نفسه الا مندفعا اندفاع المذعور مطلقا ساقيه للرياح لايدرى ماذا يفعل ، وما هى النهاية .. فكلما مرت ثوان اقترب الاسد منه اكثر وأكثر، وكان صوت الاسد يملأ الغابة زئيرا مدويا ويملأ قلب الشاب رعبا!

وفجأة وجد الشاب أمامه بئر قديمة فوثب فيها شاكرا لله علي نجاته من الهلاك .. وابصر بقعر البئر حبلا مثبت بأعلى الئر ومدلي ليُسحب به الماء الى أعلي فتمسك به ، وعندما بدأ يهدأ ويلتقط انفاسه المتلاحقة وقد هدأ روعه .. حيث سكن زئير الاسد .. وفجأة بدأ يسمع فحيحاً .. يالله ماهذا ؟ هذا بالفعل ثعبانا ً والثعبان شديد الضخامة وفارع الطول تلمع عيناه ويخرج لسانه ليشتم رائحة الشاب ويتحرك زاحفا نحوه يريد الاقتراب منه وفحيح الثعبان لا يتوقف .. وكأنه يطلبه هو الاخر بعدما نجا من الاسد .. فينظر اليه الشاب ويعصر فكره وكأنه مشلول لما ألمّ به ويفكر كيف الخلاص من الاسد ومن الثعبان المبين وكل منهما متربص به!

ولكن المفاجآت لم تمهله كثير ليفكر في كيفية الخلاص فقد وقعت عينيه علي فأرين يقفان علي الحبل أحدهما ابيض اللون أما الثاني فلونه اسود، وكاد الشاب ان ينهار فكل من الفأرين يقرضا الحبل بدون انقطاع ولا انتظار وهذا الحبل السميك أوشك على الانقطاع والتمزق .. فأسرع الشاب يهز الحبل بيديه هزا وبكل ما تبقي لديه من قوة ليثني الفأرين عن الاستمرار في قرض الحبل فينقطع به!

ولكنه وهو منهمك في هز الحبل بقوة وجد شيئا ً عجيبا بيديه .. لقد وجد عسلا بيده وهو قابض علي الحبل .. فتعجب الشاب وساقه اعجابه الشديد بطعم العسل أن يتلذذ وينشغل بالعسل .. فنسى خطر الاسد وتربصه به ، ونسي خطر الثعبان الذى يسعي اليه ، ونسي الحبل المتهالك والذى اوشك علي الانقطاع بقرض الفئران له .. وانشغل بالتلذذ بالعسل .. وذلك هو العجب العجاب !

أيها الاخوة الكرام .. أتدرون من هو ذلك الشاب .. انه انت وانا .. انه كل منا ..

ـ وأما الاسد فهو الموت .. نعم الموت الذى يحاول كل منا أن يفر منه ولا محالة وذلك لقول الله تعالي:

قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

ـ وأما الثعبان الذى ينتظرنا فهو القبر، فما بعد الموت الا دخول القبر وهو المشهد المتكرر في حياتنا اليومية قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : “ إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه “

ـ وأما الحبل فهو عمر الانسان الذى اذا ما انقطع فنيت حياته لينتقل الي حياة البرزخ والبقاء فيها انتظارا ليوم البعث والنشور .. قال تعالي:

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ، كَلَّا ، إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ، وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

ـ واما الفأران الابيض والاسود فهما الليل والنهار يتعاقبان علي عمر الانسان لينقصان من عمره

قال تعالي : وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

ـ واما العسل فهي ملذات الدنيا وشهواتها وكم من إنسان عاصي لاهي، لا هم له الا شهواته وملذاته وحبه لنفسه وجمع الاموال ولو من الحرام والبحث عن السيادة او الزعامة ولو بالكذب والخداع والتشبث بالسلطة ولو بالظلم والقهر والانتقام والافساد .. ولكن اسوأ من هذا كلهِ من يناصبَ للمسلمين العداء وهو من بني جلدتهم بل ويسعي جاهدا في الصد عن سبيل الله بعرقلة وإعاقة عملا به منافع للمسلمين تحت اى عذر يزينه له شياطينه من الانسن والجن قال الله عز وجل فيهم:

وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ.

وقال: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ، فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.

وقال: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ،

أقول هذا واستغفر الله لي ولكم