الصوم: حقيقته وسره وحكمته وجوهره

Ramadan_Dattel_

حينما يتحدَّث العلماء المسلمون عن الصوم يذكرون بعضَ النعوت والأوصاف له، ومنها: أنَّه له حقيقة خاصَّة به، وأنَّه له سر خاص به، وله روح خاصة وحكمة، وقد يستخدمون هذه الأوصاف والنعوت لكي يشرحوا ويتعمَّقوا في المعاني التي تتحدَّث عن أبعد وأعمق ما يمكن أن يُفهم من حكمة الصوم، ولماذا الربُّ جل وعلا فرَضه على الناس في الرسالات السماوية كافَّة.

 ولو استعرضنا بعضَ هذه الآراء التي ذكرها العلماءُ، لوجدنا تعددًا لها عند كلِّ عالمٍ من العلماء قد لا نجدها عند غيره، فمثلاً ابن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد يقول: إنَّ الصوم „هو لرب العالمين مِن بين سائر الأعمال؛ فإنَّ الصائم لا يفعل شيئًا؛ وإنَّما يترك شهوتَه وطعامه وشرابه من أجْل معبوده، فهو تَرْك محبوبات النفس وتلذذاتها؛ إيثارًا لمحبَّة الله ومرضاته، وهو سرٌّ بين العبد وربِّه لا يطَّلع عليه سواه، والعباد قد يطَّلعون منه على تَرْك المفطرات الظاهرة، وأمَّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمرٌ لا يطَّلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصَّوم“؛ زاد المعاد ص231، هنا الكلام عن حقيقة الصوم كما يراها ابن القيم.

 أمَّا الغزالي، فيعتقد أنَّ: „روح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائلُ الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل؛ وهو أن يأكل أَكْلته التي كان يأكلها كلَّ ليلة لو لم يصم“؛ إحياء علوم الدين ج1 ص278.

 بل ويَعْتبِر أنَّ المقصود من الصوم التخلُّق بخلُقٍ من أخلاق الله عزَّ وجل، وهو الصمديَّة، والاقتداء بالملائكة في الكفِّ عن الشهوات بحسب الإمكان؛ فإنَّهم منزَّهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رُتبة البهائم؛ لقدرته بنور العقل على كَسْر شهوته، ودون رتبة الملائكة؛ لاستيلاءِ الشهوات عليه، وكونه مبتلًى بمجاهدته، فكلما انهمك في الشهوات انحطَّ إلى أسفل سافلين والْتَحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليِّين والْتَحق بأفق الملائكة، والملائكة مقرَّبون من الله عز وجل، والذي يَقتدي بهم ويتشبَّه بأخلاقهم يقرب من الله عزَّ وجل كقربهم؛ فإنَّ الشبيه من القريب قريب، وليس القرب ثمَّ بالمكان بل بالصفات…، وهذا سرُّ الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب.

 فإذا انتقلنا إلى العالِم حجَّة الله الدهلوي، فنراه في كتابه „حجَّة الله البالغة“ يتحدَّث عن أسرار الصوم بأنها: „كَسْر الطبيعة الشهوانية للجسم، والتشبُّه بالملائكة الذين لا يأكلون ولا يشربون، الطبيعة حينما تتحكَّم بالإنسان تحتاج إلى عقلٍ لتتحرَّر إرادةُ الإنسان من سطوتها، وصولاً إلى السموِّ عن عادتها، وكسر العادة الطبيعية لا يتمُّ إلاَّ بإضعافها بالجوع، والامتناع عن العلاقات الجنسيَّة، وصَوْن اللسان عن البذاء؛ فالصوم تمرين لهذا الأمر، كما أنَّ الجسم يَتُوق إلى النساء؛ فمن لم يجد وصولاً إلى ذلك فيتحصَّن بالصوم، فيكسر شهوتَه بالصوم؛ فإن الصوم له وِجاء، الصوم حسنةٌ عظيمة، يقوِّي المَلَكيَّة، ويُضعف البهيميَّة، ويصقل وجه الروح، ويقهر الطبيعة، ويكفر الخطايا، ويقهر النفس ويزيل رذائلها)؛ حجة الله البالغة ج1 ص156.

 أما صاحب كتاب „روح الدين الإسلامي“ عفيف عبدالفتاح طبارة، فهو يبسِّط المعاني الإسلامية؛ ليصل إلى القول: „فروح الصيام في الإسلام مراقبة الله فيه وكونه لوجهه، ويؤيِّد ذلك ما ورد عن الرسول أيضًا: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه)؛ البخاري ومسلم“، ويستطرد طبارة بقوله: „مِن حِكَم الصوم تقويةُ الإرادة، فقد وضع الأستاذ الألماني جيهاردت كتابًا في تقوية الإرادة، جَعل أساسه الصوم، وذهب فيه إلى أنَّه هو الوسيلة الفعَّالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكًا زمامَ نفسه، لا أسير ميوله المادية“؛ روح الدين الإسلامي ص255.

أمَّا إذا جئنا إلى محمد علي الصابوني في كتابه „روائع البيان في تفسير آيات الأحكام“، فنراه بعد أن عدَّد فوائد الصوم وحِكَمه الروحية التي هي الأساس لتشريع الصيام يقول: „وإنَّ الله عزَّ وجلَّ ما شرع العبادات إلا ليربِّي في الإنسان ملَكَة التقوى، وليعوِّده على الخضوع والعبوديَّة والإذعان لأوامر الله العلِي القدير، وإنَّ الصيام عبودية لله، وامتثالٌ لأوامره، واتقاء لحرماته؛ ولهذا جاء الحديث القدسي: (كلُّ عمل ابن آدم له، إلاَّ الصوم؛ فإنَّه لي وأنا أجزي به؛ يدع طعامَه وشهوتَه من أَجْلي)؛ البخاري ومسلم.

بعد هذا يتحدَّث الصابوني عن السرِّ في الصوم بأنه: „هو الحصول على مرتبة التقوى، والله تبارك وتعالى حين ذكَر الحكمةَ من مشروعية الصيام، قال: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، ولم يقل: لعلَّكم تَأْلمون، أو لعلَّكم تجوعون، أو لعلكم تصحُّون، والتقوى هي ثَمرة الصيام التي يجنيها الصَّائم من هذه العبادة، وهي إعداد نفس الصائم للوقوف عند حدود الله بتَرْك شهواته الطبيعية؛ امتثالاً لأمره، واحتسابًا للأجر عنده“، بعد هذا يتحدَّث عن أنَّ „هذا هو سرُّ الصيام وروحه ومقصده الأسمى الذي شرعَه الله لأجله“؛ روائع البيان في تفسير آيات الأحكام ج1 ص217.

 إنَّ كل هذه الأوصاف والمعاني لحِكمة الصوم وروحِه وسرِّه وهدفه…، إلخ، إنَّما هي استنتاجٌ من مفردات القرآن الكريم والسنَّة النبوية الشريفة، وهناك من الزيادات والأحاديث ما يدعمها، وقد جمع الشيخ منصور علي ناصف جميعَ هذه المعاني تقريبًا، مستندًا إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة في كتابه „التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول“ في فصلٍ عن الصيام في ضوء تفسيره لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فيقول: „وحِكمة الصوم: صحَّة الجسم، وكَسْر النفس، وقَهْر الشيطان، وطِيب الفَم عند الله، وصفاءُ القلب، وغفران الذنوب، وعظيم الأَجْر، وعلوُّ المنزلة في الآخرة، والاتِّصاف بوصف الملائكة، والقرب من الله عز وجل“؛ التاج الجامع للأصول ج2 ص44.

 فهو بعباراتٍ قصيرة ومختصرة جمَع كلَّ ما قيل تقريبًا عن سرِّ الصوم وفضلِه وحكمته… إلخ، مسندًا إيَّاها بالآيات والأحاديث النبوية المقرِّرة لها.

وهنا يمكن التساؤل: هل على الإنسان أن يعرف كلَّ هذه الأسرار والروحانيَّات والحِكَم ليصوم رمضان؟ أي: مَن لم يكن يعرف هذه الأسرار والأمور ويصوم كما هي العادَة الظاهرة عند الناس، هل ينقص من أجره شيء؟

 هنا نرى الشيخ متولي الشعراوي يتحدَّث بدقَّة الحكيم ومعرِفة العليم، فيُسند الأمور هذه إلى قاعدة دينيَّة دقيقة، فيقول في كتابه „القرآن معجزة ومنهج“: „الإسلام لا بدَّ أن توجد له رَكيزة عقدية أولاً؛ حتى يطمئنَّ الإنسان إلى أن هذا الأمر وهذا النَّهي هو أَحْكم ما يوجَّه من أمرٍ، وأحكم ما يوجَّه من نهي، سواء فطنت إلى حِكمة فعل الأمر أو إلى حكمة ما نهاني عنه أم لا؛ لماذا؟ لأنَّ العبوديَّة هي التي أسلمَتني لذلك الأمر؛ ولذلك نجد القرآن عندما يتكلَّم عن هذه القضية المرحلية يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183] ولم يقل: يا أيها الناس؛ يعني: يا من وجدت عندكم خميرة الإيمان بي، واعتقدتم بوجودي وقُدرتي، أنا أشرِّع لكم، فبغير رصيد الإيمان لا يشرع، ولم يقل: كتبتُ أو كَتب الله، ولكن قال: (كُتب)، وبَناه للمجهول، مع أنَّه من المعروف أنَّ الذي كَتب هو الله، ما السبب في أنَّه بناه للمجهول ولم يسمِّ فاعله؟ هذه العلَّة يجب أن يَلتفتَ إليها الذِّهن؛ لأنَّ قضية الإيمان عَقد، عَقدٌ بين المؤمن وربِّه، والله لم يكلِّف مَن لم يؤمن به، وإنَّما كلَّف مَن آمن به، فحينما دخلتَ عقدَ الإيمان بالله دخلتَ طواعية وآمنتَ به، إذًا فأنت شريك في هذه العملية من اللحظة التي يقول فيها: (كُتب)، فأنت شريك في هذه العملية، لو لم تُؤمن به لَما كتب؛ يعني: أنك عندما دخلتَ كنتَ معي في هذه الكتابة؛ أي: في إِجراء صيغة العقد، وما دمتَ قد تعاقدتَ فاسمع منِّي؛ ذلك لأنَّ علَّة فِعل المؤمن إنما هو صدور الأمر مِن الله، أمَّا علَّة: لماذا أصدر الأمر؟ قد تطيقها العقولُ وقد لا تطيقها، قد نعرفها وقد نَجْهلها، فإن كان الله قد حرَّم لحمَ الخنزير أو الزنا، أكنَّا نؤجِّل هذا الحكم – حكم إيماني مع وَقف التنفيذ – حتَّى تأتي المعامِل والآلات لتبيِّن لنا أنَّه ضار؟ لا، بل نستقبله ونحترمه اختيارًا منَّا للثقة بالله والإيمان به، ولا نسأل: لماذا ولماذا؟“؛ القرآن معجزة ومنهج ص252.

إذًا لا يشترط لتنفيذ أَحكام الله أن نعرف سرَّها وحِكمتها وروحَها…، إلخ لكي ننفِّذها؛ بل علينا أن نسلِّم بمصداقيتها، انطلاقًا من تسليمنا بالعَقْد الإيماني مع الله، وأنَّنا عبيده وهو ربنا، وهو إنَّما كلَّفنا بالحكم أمرًا أو نهيًا لمعنًى أعمق من كلِّ ما يقوله العلماء، والدليل: أنَّ العلم اليوم يشهد إنجازات كبيرة لمعرفة بعض هذه الأسرار التي لم يكن يعرفها مَن سبقنا من المؤمنين، ولا يمكن أن يزيد إيمانُنا عمَّن سبقنا ممَّن لا يعلمون ما نَعلم اليوم.

هنا يقيم الشعراوي حجَّة أَبلغ في مرجعيَّة الحكم على كلِّ المستجدَّات، فيقول: „كن في قمَّة العبودية لله، على كلِّ مسلم أن يستقبل قضية الأحكام وقضيةَ إسلامه لمنهج ربِّه بتوثيق ما صَدر عن الله، ويكون عمله أن يقول: أقال الله ذلك؟ أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أو لم يقله؟ وبعد ذلك يقبِل على الأمر، فإذا كان أمرًا عباديًّا فلا يحاول أن يَفهم علَّته أولاً كما قلنا؛ لأنَّ فهم العلَّة أولاً يُفسد عبوديَّته، فلو أنَّ كل أمر يتطلب منا أن نقتنع بحكمته أولاً، فذلك يفسد معنى عبوديته، إنَّما العبودية أن تأخذ الأمرَ من الله بعد أن وثقته، وأن تثق تمام الثقة في أنَّ ذلك أحكم ما يوجه في هذا الموضوع، وبعد ذلك إذا أقبلتَ على الأمر بهذه النيَّة تكون قد أقمتَ في قمَّة العبودية لله، وبعد ذلك قد يطلعك الله في ذات نفسك على أسرار أحكامه، ويفيض عليك إِشراقات، فالذين قالوا: حِكمة الصلاة كذا، وحكمة الزكاة كذا، وحكمة الحج كذا، وحكمة الصوم كذا، هم قوم نفَّذوا الأمر أولاً، ثمَّ أدركوا في نفوسهم ما يعطيه هذا الأمر من عطاءاتٍ في نفس الإنسان“؛ القرآن معجزة ص252.

 إن الرب له معرفة بكلِّ شيء وقدرة على كلِّ شيء، وهو غني عن كل شيء؛ فالله له مطلَق المعرفة والقدرة، وبالتالي فهو الذي خلَق كلَّ شيء وقدَّره تقديرًا، فإذا ما جاءنا بأمر: افعل أو لا تفعل، فإنَّما خَلْف هذا الأمر والنَّهي قدرة ربوبية، أمَّا العبد وعبوديته الإيمانية، فهي موقع تنفيذِ الأمر على أرض الواقع المعيش في الحياة، ولن نقيس الأمور بمعقوليتها؛ لأننا محدودي القدرة وقد خلقَنا الله كما شاء، خلقنا عبيدًا له صالحين لعبادته، سواء فهمنا معنى أحكامه العبادية وأسرارها وكيفياتها أم لا، علينا التصرُّف وَفق معطيات العبودية لله الذي له عِلم بكلِّ شيء، ولا ننتظر في تنفيذ الأمر حتى نَفهم أسرار الأحكام، ولكن بعد التنفيذ سنزداد معرفةً بالحكمة الإلهية في هذا الأمر أو ذلك، وفي هذا النهي أو ذاك.

وخير مثال على ذلك حينما حرَّم الله لحمَ الخنزير، فلو انتظر الصحابةُ حتى يفهموا لماذا هذا التحريم، فإنَّهم عاصون غير مسلِّمين لأمر الربِّ جلَّ وعلا، واليوم إذا ظهر أسباب التحريم فإنَّ الإيمان والتنفيذ السابق لأمر الربِّ جل وعلا هو أعمقُ من إيماننا اليوم؛ إذ نشهد أسباب الأمر والنهي؛ لأنَّ العبودية تسليم للربِّ بكلِّ شيء، وإلاَّ إذا دخل على الأمر أو الحُكم أسباب وموجبات وإيضاحات، فإن هذا مما يقلِّل من قيمة وعمق الإيمان، فكيف لو قِسنا على ذلك كميَّة الغيبيات التي أمرنا أن نُؤمن بها ولم نَعلم منها حتى اليوم أيَّ علم؟

لقد قال الله عز وجل: افعل كذا ولا تفعل كذا، ولمَّا كنتُ أنا العبد هنا أفعل ما يريد وأنتهي عما نهى، وهنا قمَّة العبودية، أو العبودية الحقَّة لله.

 إنَّ استخدام العقل قَبل تنفيذ الشَّرع هو نزول عند حُكم العقل القاصر عن درجة الأمر الإلهي والوحي، العقلُ مقياسٌ نِسبي يستفاد وجوده من معطيات المادَّة والمنطق الذي يحكمها في حين أنَّ شرع الله مقياس مطلَق يتجاوز معطيات العقل الماديَّة، فالمعقول واللامعقول نِسبي هنا، ونَقْل اللامعقول إلى المعقول عَبْر فهم معيَّن أو إدراك محدَّد لا يجعل للمنطق العقلِي سيادةً على الشرع، والأمثلة كثيرة على ذلك، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، حيث قال: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 85]، وهذا القليل لا يمكن الاعتماد عليه في البحث عن أَسرار وحِكَم الشرع، وخاصَّة في العبادات؛ لذا فالإسلام هو التسليم لله بكلِّ شيء قالَه أمرًا أو نهيًا، سواء عرفنا أسراره وحكمه أم لا.

 وحتى اليوم لا نجد في العِلم الحديث ما يُعارِض ما جاء به الشرعُ، بل إنَّ الشرع يقود العلمَ إلى بَرِّ الأمان، وهذه مختبرات العالَم في كلِّ مجال، كل يوم تأتينا باكتشافٍ جديد علينا سبَقَنَا به القرآنُ بألف وأربعمائة عام؛ ولذا وجدنا الكثيرَ ممن يؤمن اليوم من علماء في الكون والطبيعة حينما يجدون في بعض آياتِ القرآن ما يَسبق علمه أو يتوافق معه، مع أنَّه يسبقه بالزمن قرونًا.

فأسرار الأحكام، وحِكمة الأَمْر والنَّهي، بل وحتى السكوت بين الأمر والنهي – لا يجب الوقوفُ عندها كي يكمل الإيمان، وإلاَّ كان إيمان الصحابة أقل من إيماننا اليوم إذا قِسناه بمكتشفات العصر وعلومه، وحاشا الصحابة ذلك؛ فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخبرهم الخبرَ فيصدِّقونه وهو غيب، فكيف لا يؤمنون بالخبر وهو يَحدث أمامهم؟ وأين موقع النبوة المعبِّر وحيًا عن كل ما سيكون عَبْر الزمان القابل حتى اليوم، أليس الصدِّيق قد آمَن وصدَّق بإسراء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل أن يَستوثق منه؟ بل أخبره النَّاس أنَّه يقول كذا، فقال: لئن قال لقد صدَق.

سامي أحمد الموصلي

Quelle: http://www.alukah.net/