مفهوم الرجولة في الإسلام

Maennlich

* يا له من دين لو كان له رجال

* لقد أختلف الناس في تفسير معنى الرجولة فمنهم من يفسرها بالقوة والشجاعة، ومنهم من يفسرها بالزعامة والقيادة والحزم، ومنهم يفسر الرجولة بالكرم والجود، ومنهم يقيسها بمدى تحصيل المال والاشتغال بجمعه، ومنهم من يظنها حمية وعصبيةً، ومنهم من يفسرها ببذل الجاه والشفاعة وتخليص مهام الناس بأي الطرق كانت…

 لقد ذكر الله تعالى الرجولة في القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعًا. فالأمة اليوم بحاجة إلى رجال يحملون الدين وهمّ الدين ويسعون جادّين لخدمة دينهم وأوطانهم شعارهم قوله تعالى: „مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً {23}“ (الأحزاب 23).

* إن ميزان الرجال في شريعة الإسلام ليس المال وليس الجاه وليس المنصب إنما الأعمال الفاضلة والأخلاق الحسنة والإيمان القوي، مرّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ ما تقولون في هذا ؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن يُنْكح، وإن شَفَع أن يُشَفّع، وإن قال أن يُسْتمع له. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا ؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن لا يُنْكح، وإن شَفَع أن لا يُشَفّع، وإن قال أن لا يُسْتمع له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: „هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا “ (رواه البخاري).

* والرجولة تتجلى في النبي صلى الله عليه وسلم الذي علم الرجال وربى الرجال وهو الذي قال: „والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك فيه ما تركته“ (سيرة ابن هشام).

مفهوم الرجولة في الإسلام

1- الرجولة: تعني الطهارة بشقيها الظاهرة والباطنة قال تعالى: „…. لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {108} (التوبة 108).

2- الرجولة: صدُق في العهود، ووفاء بالوعود، وثبات على الطريق، قال الله تعالى: “ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً {23} (الأحزاب 23).

3- الرجولة: هي قوة الإيمان قبل قوة البنيان، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مم تضحكون؟)، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: „والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد“، رواه أحمد..

4- الرجولة: هي تحمُّلُ المسئولية، والنصح في الله، والدفاع عن أولياء الله قال الله تعالى: „وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ {20} (القصص 20) ما جعله يأتي من أقاصي المدينة، وما جاء يمشي بل جاء يسعى لماذا ؟ دفاعاً عن أولياء الله والدعاة إلى الله، إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

5- الرجولة: قوةٌ في القول، وصدعٌ بالحق، كلمة حق عند سلطان جائر، قال الله تعالى: وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ {28} (غافر 28).

6- الرجولة: صمودٌ أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات، حذراً من يوم عصيب يشيب فيه الولدان وتتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، قال الله تعالى: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {38} (النور 37 – 38).

7- الرجولة: رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءةٌ وشهامةٌ، وتعاون وتضامن.

قال تعالى: „فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ“ {24} (القصص 24).

8- الرجولة: تظهر عندما تشتد الأزمات وعند الفتن نحتاج إلى رجال يثبتون على الحق ويدافعون عن الحق ولا يخافون في الله لومة لائم. يقول الله تعالى: “ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {23} (المائدة 23).

9- الرجولة: للرجولة في القرآن القوامة على الأسرة قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ….{34} (النساء 34). والقيِّم أي الرئيس، الذي يحكم أهله ويُقوِّم اعوجاجهم إذا اعوجوا، وهو المسؤول عنهم يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: “ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته “ أخرجه البخاري ومسلم.

ولا يقدح في رجولة الرجل أن يعين أهله، وأن يلاطفهم وأن يداعب أبنائه وأن يقبلهم. عندما سئلت السيدة عائشة عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، قالت: „كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكًا بسّامًا، وما كان إلاّ بشرًا من البشر، كان يكون في مهنة أهله – يعني خدمة أهله- يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته، فإذا أحضرت الصلاة خرج إلى الصلاة، ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادمًا“.

10– الرجولة: توزن بميزان واحد وهو التقوى: ميزان النبي صلى الله عليه وسلم للرجال لا ينظر إلى الفوارق في اللون والجنس والنسب، ولا يرجع إلى الجاه والمال والمنصب، فالناس كلهم لآدم، وآدم خُلِقَ من تراب.. وإنما التفاضل فيه بتقوى الله والعمل الصالح, كما قال الله تعالى: “ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13} (الحجرات 13).

قال ابن تيمية: „ولهذا ليس في كتاب الله آية واحدة يَمْدَحُ فِيهَا أَحَدًا بِنَسَبِهِ، ولا يَذُمُّ أَحَدًا بِنَسَبِهِ، وإنما يمدحُ الإيمانَ والتقوى، ويذمَ بالكفرِ والفسوقِ والعصيان „. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط أيام التشريق في حجة الوداع، فقال: أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم، ألا هل بلَّغتُ ؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فليُبلِغِ الشَّاهدُ الغائبَ “ رواه أحمد.

هل للرجولة سن معين؟

* الرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ طاعن في السن وقلبه في سن الطفولة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير… ولكنه ذو لحية وشارب.

* مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مجموعة من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبي مفرد في مكانه، هو عبد الله بن الزبير، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك!

* ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتحدث باسم قومه، فقال له: ليتقدم من هو أسن منك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة.

* قال تعالى: „… وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {4}‏ (المنافقون 4). وجاء في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: “ يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم قوله تعالى: “ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً {105} “ (الكهف 105).

الرجولة ليست قاصرة على الرجال

* لقد سطر التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً نماذجاً نسائية ضربن أمثلة من الشجاعة والجرأة والإقدام ما يعجز عليها الكثير ممن يدعون الرجولة على مر العصور:

1- السيدة صفية بنت عبد المطلب: في غزوة الخندق، وضع النبي صلى الله عليه وسلم النساء والأطفال في الحصون لحمايتهم، فكانت صفية وأمهات المؤمنين في حصن حسان بن ثابت، وكان من أمنع حصون المدينة. وبينما كان المسلمون منشغلون بقتال عدوهم، تسلل يهودي وطاف بالحصن يتجسس أخباره، فأدركت أنه يريد معرفة أفي الحصن رجال أم إنه لا يضم غير النساء والأطفال. فحملت عمودًا وتلطّفت حتى كانت في موضع تمكنت فيه من عدوها، ضربته على رأسه فوقع فانهالت عليه حتى مات، لكي لا ينقل خبرهم إلى قومه. ثم حزّت رأسه بسكين، وقذفت بها من أعلى الحصن، فطفق يتدحرج حتى استقر بين أيدي يهود كانوا يتربصون في أسفله، فلما رأى اليهود رأس صاحبهم؛ قالوا: (قد علمنا إن محمداً لم يكن ليترك النساء والأطفال من غير حماة)، فعادوا أدراجهم.

2- أم غضنفر شبيهة صفية: تلك المرأة الأمية التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، وقد جلست يوماً في مجلس تكلمت فيه إحدى النساء عن فضل الجهاد وفضل الشهادة وخصال الشهيد وأنه يشفع في والدية ليدخلهم الجنة، فسمعت أم غضنفر ذلك القول ووعاه قلبها، فعادت إلى بيتها ونادت ابنها الوحيد الأكبر وعرضت عليه الذهاب إلى الجهاد في أفغانستان لكي يرزقه الله الشهادة ليشفع لها، فأحست منه إعراضاً، فما كان منها إلا أن أحضرت سوطاً ودخلت عليه وأخذت تضربه ضرباً شديداً وهي تبكي وتقول: اذهب إلى الجهاد من يشفع لي يوم القيامة، قال غضنفر: فما كان مني إلا أن وافقت، وأعددت نفسي وتجهزت ثم جئت أبشرها بموعد سفري، فقالت: لي وكم ستبقى هناك ؟ قلت: من أربعة أشهر إلى ستة، قال: فبصقت في وجهي، وقالت: تريد أن تبيع نفسك لله لمدة ستة أشهر اذهب حتى يرزقك الله إحدى الحُسنيين.

نماذج من الرجال خلدهم التاريخ

1- حاصر خالد بن الوليد (الحيرة) فطلب من أبي بكر مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!

2- لما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه: „أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد“.

3- في دار من دور المدينة المباركة جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا ؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهباً أنفقه في سبيل الله. ثم قال عمر رضي الله عنه: تمنوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر: ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.

* رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة. إنهم الرجال أقوياء الإيمان أقوياء العزائم فهم أعز من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين. فإن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي، والتربية ليست في صفحات الكتاب بقدر ما هي في روح المعلم.

* إن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة، ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز من الرجال. إننا نحتاج إلى الرجال الذين يثبتون وسط الأزمات التي تعصف بالمسلمين، الأزمات والفتن التي تجعل الحليم حيراناً، نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين، إلى رجال يكونون قدوة للناس، إلى رجال يُثبِّتُون الناس على شرع الله عز وجل.

المصدر: موقع عربي 21

محمد عبد الرحمن صادق

10 نوفمبر 2015