قصـة إسـلام مؤثـرة

Vers125

فيما يلي نص مقتبس عن كتاب “ حتى الملائكة تـُسأل “ لمؤلفه البروفسور جفري لانغ .

وهو أستاذ مساعد للرياضيات في إحدى الجامعات الأمريكية .

في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام ، قدّم إليّ إمامُ المسجد كتيباً يشرح كيفية أداء الصلاة .

غير أنّي فوجئتُ بمارأيتـُه من قلق الطلاب المسلمين ، فقد ألحّوا عليَّ بعباراتٍ مثل:ا

“ خذ راحتك “

“ لا تضغط على نفسك كثيراً “

“ من الأفضل أن تأخذ وقتك “

“ ببطء .. شيئاً ، فشيئاً ..“

وتساءلتُ في نفسي ، “ هل الصلاة صعبةٌ إلى هذا الحد ؟ “

لكنني تجاهلت نصائح الطلاب ، فقررت أن أبدأ فوراً بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها .

 

وفي تلك الليلة ، أمضيت وقتاً طويلاً جالساً على الأريكة في غرفتي الصغيرة بإضاءتها الخافتة ، حيث كنت أدرس حركات الصلاة وأكررها ، وكذلك الآيات القرآنية التي سأتلوها ، والأدعية الواجب قراءتها في الصلاة .

وبما أن معظم ما كنت سأتلوه كان باللغة العربية ، فقد لزمني حفظ النصوص بلفظها العربي ، وبمعانيها باللغة الانكليزية .

وتفحصتُ الكتيّب ساعاتٍ عدة ، قبل أن أجد في نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى .

وكان الوقت قد قارب منتصف الليل ، لذلك قررت أن أصلّي صلاة العشاء .دخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحاً على الصفحة التي تشرح الوضوء .

وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة ، بتأنٍّ ودقة ، مثل طاهٍ يجرب وصفةً لأول مرة في المطبخ .

وعندما انتهيت من الوضوء ، أغلقت الصنبور وعدت إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي .

إذ تقول تعليمات الكتيب بأنه من المستحب ألا يجفف المتوضئ نفسه بعد الوضوء .

ووقفت في منتصف الغرفة ، متوجهاً إلى ما كنت أحسبه اتجاه القبلة .

نظرت إلى الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي ، ثم توجهت إلى الأمام ، واعتدلت في وقفتي ، وأخذتُ نفساً عميقاً ، ثم رفعت يديّ ، براحتين مفتوحتين ، ملامساً شحمتي الأذنين بإبهاميّ .

ثم بعد ذلك ، قلت بصوت خافت „الله أكبر“ .

كنت آمل ألا يسمعني أحد .

فقد كنت أشعر بشيء من الانفعال .

إذ لم أستطع التخلص من قلقي من كون أحد يتجسس علي .

وفجأة أدركت أنني تركت الستائر مفتوحة .

وتساءلت : ماذا لو رآني أحد الجيران ؟

تركتُ ما كنتُ فيه ، وتوجهتُ إلى النافذة .

ثم جلت بنظري في الخارج لأتأكد من عدم وجود أحد .

وعندما رأيت الباحة الخلفية خالية ، أحسست بالارتياح .

فأغلقت الستائر ، وعدت إلى منتصف الغرفة .

ومرة أخرى ، توجهت إلى القبلة ، واعتدلت في وقفتي ، ورفعت يدي إلى أن لامس الإبهامان شحمتي أذنيّ ، ثم همست “ الله أكبر . “

وبصوت خافت لا يكاد يُسمع ، قرأت فاتحة الكتاب ببطء وتلعثم ، ثم أتبعتـُها بسورة قصيرة باللغة العربية ، وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم شيئاً لو سمع تلاوتي تلك الليلة ! .

ثم بعد ذلك تلفظتُ بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت ، وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي ، واضعاً كفي على ركبتي .

وشعرت بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي .

ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرفة .

وبينما كنت لا أزال راكعاً ، كررت عبارة „سبحان ربي العظيم“ عدة مرات .

ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ “ سمع الله لمن حمده “ ، ثم “ ربنا ولك الحمد “ .

أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبّرتُ مرةً أخرى بخضوع ، فقد حان وقت السجود .

وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي ، حيث كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على الأرض .

لم أستطع أن أفعل ذلك !

لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض ، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأنَ العبد الذي يتذلل أمام سيده .

لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء .

لقد أحسست بكثير من العار والخزي .

وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم . وتخيلتُ كم سأكون مثيراً للشفقة والسخرية بينهم .

كدت أسمعهم يقولون : “ مسكين جف ، فقد أصابه العرب بمسّ في سان فرانسيسكو ، أليس كذلك ؟ „

وأخذت أدعو: “ أرجوك ، أرجوك أعنّي على هذا .“

أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول .

Islam_anmehmen

الآن صرت على أربعتي ، ثم ترددت لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغطت وجهي على السجادة .

أفرغت ذهني من كل الأفكار ، وتلفظت ثلاث مرات بعبارة “ سبحان ربي الأعلى .“

“ الله أكبر .“ قلتها ، ورفعت من السجود جالساً على عقبي .

وأبقيت ذهني فارغاً ، رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي .

“ الله أكبر .“ ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى .

وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة “ سبحان ربي الأعلى “ بصورة آلية .

فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك .

“ الله أكبر .“ و انتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي : لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي .

وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة .

لكن الأمر صار أهون في كل شوط .

حتى أنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة .

ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير ، وأخيراً سلـَّمتُ عن يميني وشمالي .

وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالساً على الأرض ، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها .

لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها .

ودعوت برأس منخفض خجلاً: “ اغفر لي تكبري وغبائي ، فقد أتيت من مكان بعيد ، ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه .“

وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك يصعب علي وصفه بالكلمات .

فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري .

وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية ، حتى أنني أذكر أنني كنت أرتعش .

غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي ، فقد أثـّرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضاً .

لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ .

ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب .

فقد أخَذَت الدموع تنهمر على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة .

وكلما ازداد بكائي ، ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني .

ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب ، رغم أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور .

لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطِلقاً عنانَ مخزونٍ عظيمٍ من الخوف والغضب بداخلي .

وبينما أنا أكتب هذه السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله عز وجل لا تتضمن مجرد العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضاً .

ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ، منتحباً ورأسي بين كفي .

وعندما توقفت عن البكاء أخيراً ، كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق .

فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها .

وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع أخبار أحد بها .

أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت : فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله ، وإلى الصلاة .

وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير:

“ اللهم ، إذا تجرأتُ على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني قبل ذلك — خلصني من هذه الحياة .

من الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب ، لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر و أنا أنكر وجودك . „