الغـــيبة

fluestern_1

الغـــــــيية

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال :

{ ذكرك أخاك بما يكره }

فقال السائل: ارايت إن كان فيه ما أقول ؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم:

{ إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم فيه ما تقول فقد بهته }

رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .

ويشبه ربنا سبحانه وتعالى المغتاب بآكل الميتة في قوله تعالى :

“ ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه“

وينذر النبي صلى الله عليه وسلم المنافق ويقول :

{ يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته }

رواه أبو داوود عن أبي برزة رضي الله عنه.

والغيبة يستوي فيها التصريح ، والتعريض ، والإيماء ، والإشارة ، والحركة، والتقليد، والغمز، واللمز، بحيث يفهم مقصود المتكلم ، كما يستوي فيها الأحياء والأموات ، وقد تكون الغيبة بالكتابة أيضا ،وهؤلاء لا يكتفون بما تسطره عليهم الملائكة وإنما يسطرون هم على أنفسهم بأيـديـهـم .

أدلة تـحريـــم الغــيـبــة

قال الله تعالى : { ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم }.

وقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }.

وقوله تعالى : {مـــا يلفــظ مــن قول إلا لـــديــه رقــيـب عتــيــد }.

عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أتدرون ما الغيبة ؟ } قالوا الله ورسوله اعلم ،

قال: { ذكرك أخاك بما يكره } رواه مسلم .

ــ عن المطلب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ الغيبة ان تذكر الرجل بما فيه من خلقه } رواه مالك

ــ عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليقـل خيرا أو ليصمت } رواه البخاري ومسلم .

ــ عن ابي موسى الاشعرى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟

قال: { من سلم المسلمون من لسانه ويده } رواه البخاري ومسلم .

ــ عن سهل بن سعد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنه } رواه البخاري .

الإجـمـاع على تـحريم الـغيـبة

قال ابن كثير في تفسير سورة الحجرات ( والغيبة محرمة بالإجماع ولا يستثنى من ذلك الا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنصيحة) ، كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه الرجل الفاجر :{ أئذنوا له وبئس اخو العشيرة } رواه البخاري ومسلم .

وقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم: { أما معاوية فصعلوك وأما أبوالجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه } رواه مسلم

حـكمة تـحـريم الـغــيـبة

أما حكمة تحريمها فهي صدق المبالغة في حفظ عرض المؤمن والإشارة إلى عظيم تأكــد حـرمتــــه وحقوقه فقد جـاء بالحديث الشريف:

{ كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } رواه مسلم .

وزاد سبحانه وتعالى ذلك تأكيدا وتحقيقا في حفظ عرض المؤمن بلحمه ودمه مع المبالغة فى ذلـــــك أيضا بالتعبير عنه بالأخ فقال تعالى:

“ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه“

ووجه الشبه فى ذلك أن عرض العاقل أشرف عنده من لحمه ودمه ، الآكديه في لحم أخيه أن الأخ لا يمـكـنه مضغ لحــــم أخيه فضلآ عن أكله بخلاف العدو فإنه يأكل لحم عدوه دون توقف منه في ذلك ،والغيبة من القبائــــــح الاجتماعية التي لا تليق بالذين آمنوا أن يرتكبوها فيغتاب بعضهم بعضــــاَ .

ســماع الغــيـبة

لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يستمع إلى الغيبة لأن السامع شريك بالغيبة وشريك بالعقـــاب من الله سبحانه وتعالى فعلى المسلم أن يحذر من مواطن الغيبة وأن يربى بنفسه عن هذا الداء العضال.

نصرة المـسـلـم بظهـر الغيب وفضلهـا

لنصرة المسلم بظهر الغيب والذب عن عرضه والدفاع عنه فضل كبير وأجر عظيم دل على ذلك أحاديث كثيرة منها :ـــ

عن ابي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من رد عن عرض اخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة} رواه الترمذي .

عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبيصلى الله عليه وسلم قال : { من نصر أخيه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة } السنن الكبرى .

عن أسماء بنت يزيد عن النبيصلى الله عليه وسلم قال : { من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقاً على الله ان يعتقه من النار } مسند الإمام احمد .

كـفـارة الغــيـبـة

قال الإمام الغزالي: اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته ، كما إن عليه أن يقلع عن ذلك ويعزم على ألا يعود .

مــن الأسباب الــباعـثــة على الغيبة

1ــ تشفي الغيظ بأن يجري من إنسان في حق آخر سبب يهيج غيظه فكلما هاج غيظه تشفى بغيبة صاحـبه ، وعلاجه ان يتذكر الانسان قوله تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } آل عمران .

وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كظم غيظا وهو قادرا على ان ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء } رواه ابو داؤود .

2ــ موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم ، وعلاجه أن تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : { ومن التمس رضي الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس }.

3 ــ إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره ، فيقول مثلا فلان جاهل ، وغرضه من ذلك أن يثبت من ذلــك فضل نفسه .

وعلاجـــه: أن تعـتـقـد أن ما عند الله خير وأبقى وأن هذه الدنيا لا تعادل جناح بعوضه .

4 ــ اللعـب والهزل ، وعلاجه ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم :{ ويل للذي يحدّ ث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ، ويل له } . أخرجه الترمذى وأبو داود .

5ـــ الحــســـــــد .

6ـــ الغضب لله ، فانه قد يغضب شخص من منكر قارفه إنسان ، فيحدث بذلك مظهرا غضبه ذاكرا اسمه ، وكان عليه أن يخفي اسم الشخص ويستره ولا يذكره بقبيح .

7 ـــ كثرة الفراغ والشعور بالمـلــل والــســأم. وعلاجـــــه أن يقضي المرء أوقاته في الطاعات والعبادات والعلم والتعلم .

8 ـــ التقرب لدى أصحاب الأعمال والمسئولين عن طريق ذم العاملين معه وذلك ليرتقى إلى منصب أفضل ،أو درجة أرفــع .

9 ـــ العجـب وعدم التفكير في عيـــوب النـفــــس.

وعـلاجــــه هــو التفكير في عيوب النفس واشتغاله بإصلاحها واستحياؤه من أن يعيب أحدا وهــــــو نفسه معيب . وقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم العجب فقال { لو لم تكونوا تذنبون ، لخفت عليكم ما هو أكبــــر من ذلـك : العجب، العجب } .

الحـالات الـتـي تبـاح فيـهـا الغيبـــة

1 ـ الـتظــلــم :ـ فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية فيذكر أن فلانا ظلمني وفعل بي كذا ، واخذ لي كذا.

2ــ الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب :ــ فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر، فلان يعمل كذا فازجره عنه ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما .

3ــ الاستفتاء :ــ بأن يقول للمفتي ظلمني أبي أو أخي و فلان بكذا فهل له ذلك أم لا ؟ وما طريقي إلى الخلاص منه وتحصيل حقي ودفع الظلم عني ؟ ولكن الاحوط أن يقول ما تقول في رجل كان من أمره كذا وكذا ، أو في زوج أو زوجة تفعل كذا وكذا ، فإنه يحصل به الغرض دون تعيين ، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، ولم ينهها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك .رواه البخاري ومسلم .

4ــ تحذير المسلمين من أصحاب الشر ونصيحتهم ، وذلك من وجوه منها :

*جرح المجروحين من رواة الحديث والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين ، بل واجب للحاجة.

*إذا استشارك إنسان في مصاهرته أو مشاركته أو إيداعه وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النصيحة ، فإن حصل الغرض بمجرد قولك لا تصلح لك معاملته أو مصاهرته أو لا تفعل هذا لم تجزئه الزيادة بذكر المساوئ وان لم يحصل الغرض إلا بالتصريح بعينه فاذكره بصريحة .

*إذا رأيت متفقها يتردد على مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخيف ان يتضرر المتفقه بذلك فعليك نصيحته ببيان حاله ، ويشترط ان يقصد النصيحة

5ــ أن يكون مجاهرا بــفسقـــه أو بدعــتــه :

كالمجاهر بشرب الخمر أومصادرة الناس وجباية الأموال ظلما وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لجوازه سبب آخر .

6ــ التعريف : فإذا كان الإنسان يعرف بلقب كالأعمش والأعرج والأصم والأعمى والأحول جاز تعريفه بذلك بنية التعريف ويحرم إطلاقه على جهة النقص ، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى.

الأمور الـتي يجـب مراعــاتها عـند الغيبـة المبـاحة

1 ــ الإخلاص لله في النية.

2ــ عدم تعيين الشخص ــ ما أمكنك ذلك ــ لدفع كثير من الريب ، إذ ربما يستغل البعض تعيين الشخص لنشر اسمه بين الناس .

3ــ أن تذكر أخاك بما فيه ، إن كان في ذلك تحقيق مصلحة من المصالح المتقدمة .

4ــ التأكد أن من وراء هذه الغيبة لا تتحقق مفسدة اكبر من الفائدة ، ولا تقع فتنة تضر بالمسلمين.

غـيـبـة الـفـاسـق والـعاصـي

هذه المسألة في غاية الأهمية والخطورة ، فمن هوا لفاسق أو العاصي الذي تجوز غيبته ؟ وهل تجوز غيبته على الإطلاق دون شروط أم أن غيبته لها شروط وتقييد؟ حيث انتشرت غيبة الفساق والعصاة في المجالس ، وإذا طلب من رواد هذه المجالس الإقلاع عن ذلك تعللوا بأن من يتكلمون فيهم عصاة او فساق .

من هو العاصي او الفاسق الذي تجوز غيبته ؟

وما شروط غيبة العصاة والفساق ؟

أجاب عن هذا السؤال عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين: المعصية هي المخالفة وتطلق على من يخالف أمر الله تعالى فيترك الواجبات أو يرتكب المحرمات أو بعضها فيقال مثلاً الغيبة معصية والقذف والسباب معصية والسلب والنهب وشرب الخمر وتعاطي الرشوة وأكل الحرام ومنع الزكاة ويطلق على المصر فإنه لا غيبة له فيجوز ذكره في المجالس بما فيه كما ورد في الأثر{ اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس } وورد أيضاً:{ لا غيبة لفاسق } فيقال أن فلانا يتعاطى الإسكار أو يسمع الأغاني أو يتعامل بالربا ونحو ذلك حتى يعرف الناس حالته ويحذروا معاملته أو مصادقته .

ولا بد للغيبة من شروط :

*أن يكون قصده التحذير والتشهير ، حتى يعرف فسقه ومعصيته .

*أن يكون ذلك بعد نصحه وتحذيره وتخويفه وإنذاره .

*أن يكون معلنا بهذه الذنوب مستمرا على فعلها مظهرا لها .

*أن لا يكون عنده تأويل شبهة لم يجد من يزيل عنه تلك الشبهة .

فلذلك قيـــــل :ـــ

الذم ليس بغيبة في ستــــة متظـلم ومعـــرف ومحــــذر

ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكـر

أي أن هؤلاء يجوز ذكرهم بما فيهم لهذه الأغراض والله أعــــــــلم .

التساهل فى غــيبة العــاصي

وهذا فيه كلام ، إذ أنه لا يصح على إطلاقه ، فليس كل من يقع في المعصية تجوز غيبته، و إلا جازت غيبة كل المسلمين ، فما من مؤمن إلا وله ذنب ، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا حيث يقول { ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة ، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه ، حتى يفارق الدنيا ، أن المؤمن خلق مفتنا ، توابا ، نسيا ، إذا ذكـر ذكـر} . صحيح الجامع .

وفي الحديث { كل ابن آدم خطَاء وخير الخطَائين التوابون } مسند الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.

غيـبـة بغــير اللـسـان

عهدنا بالغيبة أن تقع من اللسان ، ولكنها قد تقع بغيره ،قال الله تعالى { ويل لكل همزة لمزة } أي الهمَاز بالقول واللمَاز بالفعل .

ومن أمثلتها ما يتوصل به إلى فهم المقصود ، كأن يمشي مشيته ، فهو غيبة ، بل هو أعظم منها ، كما قال الغزالي ، لأنه أبلغ في التصوير والتفهيم و أنكر للقلب .

فليتق الله أقوام يفعلون هذا ، يقلدون المشي والأكل وأسلوب التكلم تفكها وسخرية واستهزاء . كما أن الغيبة تكون بالقلب ، وهي الظن السيئ بالغير ، والظن هو ميل القلب إلى اعتقاد الشئ ، فكما يحرم عليك أن تذكر أخاك للناس بسوء ، يحرم عليك أن تذكره لنفسك بسوء ، وتكمن الخطورة في أنــك تحاسب على هذا الظن السئ ولو لم تحرك به لسانك ، والظن يؤدي بالضرورة إلى إثم أكبر، إذ يترتب عليه التجسس لإثبات ما اعتقده القلب ، وهو محرم ومؤثم بنص القرآن الكريم {يا أيها الذين آمــنوا اجتنبـــــوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا } وهـذا الـــتـــرتيب في الآيــــة يشعرنا أن الظن يقود إلى التجسس ، ثم إلى الغيبة .

مجاهــدة الغـيـبة مـن أفـضـل الجـهــاد

يستغرب كثير من الناس عندما يسمعون أن مجاهدة الغيبة من أفضل أنواع الجهاد ، ويزول هذا العجب عندما يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول :{ المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله }جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في صحيحه ، وقوله صلى الله عليه وسلم: { أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل } رواه أبو نعيم في الحلية .

فالإشتغال بمنع الغيبة جهاد ، بل من أفضل أنواع الجهاد ، حيث أن جهاد أعداء الله قد يكون في فترة محدودة من عمر الإنسان ، وأما جهاد النفس فلا ينتهي إلا بإنتهاء الأجل ، كما أن جهاد الأعداء لا يقبل من المسلم إلا بمجاهدة الرياء والحميَة وحظوظ النفس . إنه من المتعين على كل مسلم أن يجاهد نفسه ، ويمنعها عن الغيبة ، وأن يقيم دولة الإسلام في قلبه ، حتى تقوم على الأرض { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم } الروم