عمارة المساجد وآدابها

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا ً مرشدا

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا مثيل ولا ند له سبحانه وتعالى تنزه عن صفات خلقه فهو الواحد الاحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة وأدى الامانة وترك الامة علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وسلم تسليماً كثيراً.

عبادُ الله أوصيكم ونفسى الخاطئة بتقوى الله في السر والعلن … اتقوا الله فقد كفي ماكان .. اتقوا الله فقد مضي زمن العصيان .. اتقوا الله فما كسب المعاصى الا الخسران ..

قال تعالي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢

أما بعد: ايها الاخوة الافاضل

فموضوعنا اليوم بمشيئة الله تعالى عن : عِمارة المساجد وآدابِها

عِمارة ُ بيوتِ الله هي من أجَل ِالأعمال ِوأعظمِها منزلة ًعند الله ِتعالى ، و هي أحب البقاع إليه .

وعمارة المساجد إما ان تكون حسية أومعنوية،

فالحسية تكون بتوقيف الأرض وبالبناء والترميم والتنظيف…

وقد ذكرنا في أول خطبة جمعة مايكون ُمن أجرعظيم ٍ وحظ ٍ وافر ٍعند الله ِ وهو الغني عن عباده لكل مسلم يساهم في اقامة مسجد ولو بالقليل وتكون له صدقة جارية له بعد مماته ويعد له بيت في الجنة.

وأما العمارة المعنوية للمساجد فتتحقق بالامور التالية:

  • بإقامة الصلوات فيها،

  • وتلاوة كتاب الله وتدبره ،

  • والذكربمختلف انواعه ابتداءا من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ومرورا بالصلاة والسلام علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتهاءا بالتفكر في خلق الله سبحانه وتعالى

  • والدعاء والتبتل ويا حبذا البقاء بالمسجد بنية الاعتكاف وانت بإنتظار اقامة الصلاة،

  • وإقامة دروس العلم والندوات والمحاضرات وحضورها،

قال الله عز وجل في سورة النور: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36-38]. صدق الله العظيم

وهنا لنا وقفات بها اشارات خفية ولطائف جلية منها:

أن الله سبحانه وتعالي ذكر بيوته وذكره والذاكرين واحوالهم وجزاءه الجزيل لهم في سورة النور وكأنها اشارة لاولي الالباب بمثابة النورالمضيئ علي طريق الاستقامة لمن يريد النجاة في يوم كان شره مستطيرا

اما الثانية فهي حب الله لهذا العمل الشريف وهوعمارة المساجد بشقيها الحسية والمعنوية ودليل ذلك كلمة أذن الله فهي اشارة لحب الله وكلمة تُرفع اشارة للتشييد والبناء وكلمة يُذكرَ فيها اسمه اشارة الى الذهاب المساجد للصلوات ورفع الاذان وتلاوة القرآن والذكر ، وكلمة بالغدو والآصال تشير الي ضرورة عمارة المساجد في اوقات الصلوات الخمس دون انقطاع.

أما الثالثة فهي في صفات من وفقهم الله لعمارة بيوته فنعتهم بأنهم رجال وتأمل حين لم يقل ذكورا بل قال رجال لما فيها من صفات الرجولة من تحمل المسؤلية وقوة العزيمة وصدق النوايا في طاعة الله، اما كلمة لاتلهيهم تجارة ولا بيع فربما تكون الاشارة لمغالبة الشيطان وهوى النفس وضبط النفس بالبعد عمّا يشغلها ويقودها الي الغفلة والفتور عن ذكر الله الخ من الصفات التي تليق بالرجال.

أما الرابعة فهي اشارة للهدف الذى يرنون اليه وهو الخوف والرجاء وذلك من قوله سبحانه يخافون يوما وقوله عز وجل لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا

واما البشارة الاخيرة وهي البشرى العظيمة في كلمة وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ فأى زيادة تكون الا رؤيتَه عزوجل وذلك تصديقا لقوله في سورة يونس:

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿يونس: ٢٦﴾ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ قال المفسرؤن الزيادة هي رؤية الله عز وجل.

اللهم ارزقنا الحسني وزيادة اللهم آمين.

في ملمح آخر من القرآن الكريم يضفي ربنا عز وجل صفات جليلة يسعى اليها كل من أراد الآخرة يقول الله عز وجل في سورة التوبة : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ [18].

فنجد أن الله جل شأنه نعت عمار ورواد المساجد بصفة الايمان وشهد لهم بذلك بل وأضاف اليهم أعمالا يقومون بها فتكون سببا في هدايتهم وفلاحهم وهي المحافظة علي الصلوات واخراج الزكوات، ولكنه ذكر أمرا لايقوم به الا قوى الايمان البعيد عن النفاق والمتنزه عن الرياء وهو مراقبة الله والخشية منه فقط والتسليم له في كل أمورهم ونرى ذلك في كلمة وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ.

ولذا اذا انطبقت تلك المواصفات على عبد نال البشارة الربانية وهي الهداية ، فحينما يقول المولي عزوجل : فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، فتكون عسى هنا في موضع التحقيق وليس الرجاء.

أخي الحبيب أن عمارة المساجد من الاعمال التي لا ينبغي أن تفوت المسلم بأى حال من الاحوال، حتي ولو ثلاث مرات يوميا أو مرتين لأن المساجد هي :

1ـ أحب الأماكن الي الله عزوجل استمع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أحبُ البلادِ إلى الله مساجدُها، وأبغضُ البلادِ إلى الله ِأسواقُها.(مسلم)

2ـ ومن المسجد تصعد الأعمال الصالحة، وفيه تنزل الرحمة، وتتهذب الأخلاق ، وتصفو النفوس، ويحصل ترابط المؤمنين، وتقوى أخوتهم، ولهذا لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ به أن بدأ بعمارة المسجد.

3ـ إن عمارة المساجد من أبرز أعمال البِرّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: رجلاً قلبه معلق في المسجد (رواه البخاري ومسلم).

4ـ وعمارة المسجد بالتردد عليه يعتبر كالمرآة الصافية التي تعكس أحوال الناس ومدى رغبتهم في الخير وبذلك يتضح المؤمن من المنافق، فقد روى الترمذي وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان.

وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: „ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض“.

إن المسجد له دور عظيم فهو الأساس الأول في تكوين شخصية المسلم وتكوين خلقه وعبادته وعلاقته بربه وبنفسه وإخوانه المؤمنين، فالمسجد يُعتبر مركز تربية.

ومن الآثار الاجتماعية بسبب المساجد حصول التكافل بينهم فالمسجد هو وسيلة التعارف بينهم ومع مرور الوقت يألف بعضهم بعضاً وتتكون بينهم المحبة في الله فيزور بعضهم بعضاً ويتعارفون فيما بينهم على أمور دينهم ودنياهم.

اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم واسألوه يعطكم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا علي الظالمين

واشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك المتوحد في ذاته ، المتفرد في صفاته

واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وآله واصحابه

قال عز من قائل : إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

اللهم صلي وسلم وزد وبارك علي هذا النبي الامي وعلي آله الطاهرين واصحابه المباركين وعلي الخلفاء الراشدين ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وعلي التابعين وتابعيهم الي يوم الدين وعلينا نعهم يارب العالمين

اللهم لا تدع لنا …. ربنا لا تزغ قلوبنا …. ربنا هب لنا من أزواجنا …. ربنا آتنا في الدنيا حسنة ..

اللهم عليك بالكفرة والمشركين والمنافقين والفاسدين والظالمين والمعتدين وكل من يعادى الاسلام والمسلمين … اللهم من أراد بالاسلام والمسلمين خيرا …

عباد الله.. قوموا الي صلاتكم يرحمكم الله واقم الصلاة

منقول بتصرف